تردد المثل القائل العلم في الصغر كالنقش على الحجر على أسماعنا حتى غدا قانوناً نصدقه ونسلّم بصحته من دون تفكير، فنا رأيك أنت؟ هل يمكن أن يتبلد عقل الإنسان مع التقدم في العمر ليصل إلى العجز عن التعلم؟ هل للعقل البشري مدة زمنية صالحة للاستهلاك؟ دعنا في هذه المقالة نناقش فكرة التعليم المتأخر لتحكم بعد انتهائك من القراءة على الموضوع بنفسك.
تشير دراسات علم النفس وعلم الأعصاب إلى أن اكتساب الإنسان مهارات جديدة في عمر متأخر يجب ألا تكون ظاهرة غريبة تثير دهشتنا وإن كتنت تحتاج من الشخص بذل المزيد من الجهد مع وجود بعض الصعوبات الإضافية في سن 30 أو 50 أو 90.
في المقابل توصي هذه الدراسات إلى تغيير موقفنا والنظر إلى أن الجهد المبذول لإتقان تخصص جديد أكثر من مكافأة في الحفاظ على صحتك المعرفية العامة وتعزيزها.
لا حاجة إلى انتظار تلقي الدعم من الآخرين عندما تقرر خوض تجربة اكتساب أي مهارة جديدة، فقط خد نفساً عميقاً وفكّر في إعداد الخطة ولأخذ هذه الخطوة يجب أن تتعرَّف على إجابة السؤال السابق حيث أن التعلم:
في الإجابة عن هذا السؤال سنعرض وجهة النظر التي تشجع على بدء التعلم في أي وقت دون الخوف من نظرة المجتمع أو من الفشل حيث يمكن أن تكون هذه المرحلة العمرية سبباً قي نجاحك، فأنت:
تعرف نفسك بشكل أفضل
عندما تكون في مرحلة متقدمة من العمر لن تعاني من تخبط الشباب وتهوره فأنت تعرف ما تريد وفهم أعمق لنفسك، فلا شك أنك قد تعلمت من أخطائك الماضية وتفهمت نقاط ضعفك وأصبح بإمكانك التغلب عليها.
تملك حق الوصول إلى التكنولوجيا الجديدة
ربما هذا يخص الأشخاص الذين لم يتمتعوا بميزات الإنترنت وما تبعها من تطور تكنولوجي أتاح سرعة الوصول إلى المعلومات من خلال الدورات التدريبية غير المجانية في قنوات اليوتيوب مثلاً في الوقت والمكان الذي تختاره وبالسرعة التي تناسبك.
أكثر انضباطاً والتزاماً من مرحلة الشباب
أثبتت الإحصائيات أن الطلاب المنتمين إلى مراحل عمرية متقدمة هم أكثر انضباطاً من زملائهم الأصغر سناً، وربما يرجع ذلك إلى إصرارهم على النجاح ورغبتهم في إثبات الجدارة.
قادر على تكوين شبكة علاقات قوية
هذا يعني امتلاكك مفاتيح تكوين العلاقات والحفاظ عليها حيث ستتمكن بشكل أفضل من إقامة علاقات مع الأشخاص الذين تتعلم منهم ولن تتردد في طلب المساعدة إذا كنت في حاجة إليها.
إذا كنت مهتماً بموضوع التعليم المتأخر وتستعد له فلا بد من أن تبحث عن قصص ناجحة تشد أزرك وتساعدك على اتخاذ القرار والبدء في تنفيذه، وإليك قصص بعض الأشخاص الرائعين الذين بدؤوا في تعلم شيء جديد في سن متقدمة:
جوزيف كونراد
وهو كاتب إنجليزي معروف وله كتابات رائعة لم ينطق كلمة إنجليزية واحدة حتى تعلم اللغة في العشرينات من عمره .
روكي مارسيانو
لاعب الملاكمة المشهور لم يتعلم هذا النوع من الرياضة حتى بلغ العشرينات من عمره .
بالاسيوس
وهي امرأة فقيرة من عامة الشعب المكسيكي لم تتح لها فرص التعليم وبقيت على هامش الحياة تعمل بالزراعة وبيع الدجاج وتتزوج وتربي الأطفال حتى سن 92 عاماً حينما قررت بدء التعلم من الصفر وهي اليوم تتأمل التخرج من الجامعة قبل أن تكمل المئة عام.
Fauja Singh
بدأ الجري بجدية في سن 89.
توني موريسون
في مجال الأدب أصدرت توني موريسون الغنية عن التعريف والحائزة على جائزة نوبل للسلام للأدب كتابها الأول عندما بلغت من العمر 39 عاماً.
آنا ماري روبرتسون موسى
في مجال الفن لم تكن بداية آنا ماري روبرتسون موسى مبكرة كما يظن البعض فلم تلامس ريشتها اللوحات حتى بلغت 78 عاماً لتصبح بعد ذلك رسامة مشهورة علقت لوحاتها في مختلف المتاحف حول العالم.
إن النماذج المشرقة السابقة بظروفها وأحلامها وأملها في الحياة الذي لا ينضب تذكرك بمقولة جورج إليوت: لم يفت الأوان أبداً لتصبح الشخص الذي تريد أن تكون عليه
لا شك أننا سجناء لأفكار الماضي ونظرياته التي ليست صحيحة بالضرورة، فالقليل من البشر من يستطيع التحرر والانعتاق من النظرة القديمة.
وبما أننا نناقش إمكانية التعليم المتأخر من عدمها فلنأخذها مثالاً وسيكون نظرية أقراص الشمع التي تعود في أصلها إلى الإغريق القدماء حيث قارن أرسطو الذاكرة البشرية بلوح الشمع.
فرأى أن الإنسان عند الولادة يكون الشمع ساخناً ومرناً ولكنه عندما يبرد يصبح قاسياً وهشاً للغاية بسبب ما يكوّنه من انطباعات مميزة ونتيجة لذلك تتضرر ذاكرتنا.
اليوم وبعد مرور قرون عديدة ما زالت الإشارة إلى تعبير الشمع المرن موجود من خلال بعض مصطلحات علم الأعصاب ولكن بدأت تتوضح الأمور بشكل أفضل.
،حيث اكتشف العلماء أن هذه المرونة ترتبط بمهارة تعلم لغة ثانية حيث وجدوا أن الأطفال الصغار الذين تم إحضارهم إلى بلد جديد وصلوا إلى مرحلة الطلاقة بسهولة أكثر من أشقائهم الأكبر سنًا أو آبائهم، مُرجعين هذا التفوق إلى امتلاك الأطفال نسبة فرص أكبر لإتقان اللغة من خلال الاحتكاك بزملائهم في المدارس، أو لأنهم لا يخافون من ارتكاب الأخطاء.
يمكن القول: إن الدراسات العلمية الحديثة لم تعد متأثرة كما كانت عليه الحال من قبل بكلام أرسطو.
وإنما اتجهت إلى إقامة دراسات حول حالات لكبار السن يؤدون مآثر رائعة في الذاكرة لتكشف في نهاية كل دراسة أن دماغ البالغين أكثر خصوبة مما كان متوقعاً، وأكثر من قدرة على إنبات الروابط الضرورية للتعلم العميق في مختلف المجالات.